في عالمنا الحديث، لم تعد الحداثة مجرد تغيير في نمط الحياة، بل أصبحت التكنولوجيا متسارعة تغيّر كل شيء من حولنا.
نرى اليوم الذكاء الاصطناعي وهو يقتحم ميادين مختلفة، ينافس الشركات الكبرى، ويهدد وظائف عديدة، حيث يتطور بشكل مخيف يومًا بعد يوم.
لم يعد الذكاء الاصطناعي يقتصر على البحث عن المعلومات، بل أصبح قادرًا على التفاعل مع الإنسان، وفهم كلماته، وتلبية رغباته، بل وحتى تقديم حلول لمشكلات معقدة.
هذه القدرات التي تثير الإعجاب تخلق أيضًا مخاوف من أن يطغى الذكاء الاصطناعي على الفكر البشري ويحل محله.
كما يناقش المفكر الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه “اختراع الشعب اليهودي” كيفية تأثير التطور التكنولوجي على المجتمع البشري، حيث يشير إلى أن “التكنولوجيا الحديثة قد تساهم في تعزيز الانفصال بين الإنسان وطبيعته الأساسية، مما يؤدي إلى تآكل القدرات الذهنية والإبداعية.”
إن التكنولوجيا، التي كان هدفها في الأصل تسهيل الحياة ودعم الإنسان، أصبحت اليوم تُلقي بظلالها على العقل البشري، فتُضعِف قدراته وتثبط عزيمته على الإبداع. نرى اليوم كيف أصبح الكثيرون يعتمدون على الآلات لإجراء أبسط العمليات الحسابية التي كان أجدادنا يؤدونها ذهنيًا.
وفي الماضي، كان حفظ النصوص الطويلة والقصائد من الأمور الشائعة، أما اليوم فنحن نكافح لحفظ صفحة واحدة.
هذا التراجع لا ينفي حقيقة أن العقل البشري هو المصدر الأول لكل هذا التطور.
العقل البشري الذي ابتكر الطائرات وعلوم الطب والفلك والهندسة، وهو الذي بنى الحضارات وأسس العلوم. لكن مع تسارع التكنولوجيا، نخشى أن يتحول الإنسان من مبتكر إلى مجرد مستخدم، وأن يُخفي شعلة الإبداع بداخله.
كما أشار البعض إلى أن “التكنولوجيا قد تخلق شكلاً من أشكال الاعتماد المفرط الذي يهدد استقلال الفكر ويقلل من القدرة على الإبداع الفردي.”
علينا أن ندرك أن التكنولوجيا أداة عظيمة، لكنها لا يمكن أن تحل محل العقل البشري. فهي نتاج فكره وابتكاره، ويجب أن نستخدمها لدعم إمكانياتنا لا لتحجيمها.
العقل البشري لا يضاهيه شيء، فهو المبتكر الأول والمفكر الأسمى، وإذا فقدنا هذه الحقيقة، نكون قد أضعنا أهم ما يميزنا كبشر.
ختامًا، يجب أن نرسخ في الأذهان أن العقل البشري قادر على تحقيق المستحيل، وأن نعمل على تحفيز إبداعنا ومهاراتنا بدلاً من الاعتماد الكامل على التكنولوجيا. فالعقل البشري سيظل دائمًا القائد والملهم في رحلتنا نحو المستقبل.
✍️ #محمدعبدالمنعم_باشا