بقلم د. احمد همام المطعنى
توهم “الثراء السريع” والرغبة في الكسب دون جهد وطمع وجشع المجني عليهم والجُناة على السواء، هيَ أهمُ الأسباب التي أدت خلال السنوات الماضية إلى انتشار عمليات النصب والتلاعب بالمواطنين والاستيلاء على أموالهم تحت مسمى “توظيف الأموال” حيث يتخذ من الثراء السريع فخًا لإسقاط الضحايا.
. وعقوبة النصب وفق قانون العقوبات المصري هي الحبس لمدة أقصاها 3سنوات ، ويرى البعض أن هذه العقوبة لا تحمل الردع اللازم.
. ولا يعاقب “المستريح” على جريمة نصّب، حيث تم حصر الوسائل التي يحدث بها النصب ولا يمكن أن يقع بغيرها، فهي وسائل محددة على سبيل الحصر، فإن استخدم وسيلة أخرى أفلت من اعتباره مرتكباً لجريمة النصب، حيث تنص المادة 336 من قانون العقوبات المصري بأنَّ العقوبة التي يتم تطبيقها على مرتكب جريمة النصب على أنه ’’يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو احداث الأمل بحصول ربح وهمي أو تسديد المبلغ الذي أُخذ بطريق الاحتيال، أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور، وإما بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكًا له ولا له حق التصرف فيه، وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة. أما من شرع في النصب ولم يتممه فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة. ويجوز جعل الجاني في حالة العود تحت ملاحظة الشرطة مدة سنة على الاقل و سنتين على الأكثر”.
. ومراعاةً لمبدأ الشرعية “فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”
ومع عدم جواز القياس في التجريم والعقاب، تم تقييد القاضي الجنائي، فلا يملك أدنى سلطة تقديرية في هذا الأمر، وإنما تطبيق نصوص القانون وفق ما يتبدى أمامه من وقائع ثابتة وقطعية، فإنزال العقوبة لا يكون إلا عندما يثبت بيقين لدى المحكمة إدانة المتهم، وكل هذا جعل من بعض الوقائع الحديثة والتي قد يبدو للبعض عدم ملاءمتها وإمكان توصيفها بأي الجرائم المنصوص عليها قانوناً، وليس هناك ثمة نقص تشريعي إزاء موضوعنا الراهن، وإنما قد تدخل المشرع لسد ما اتسع من ثغرات جريمة النصب بالنص على جريمة “توظيف الأموال” .
. وهناك الكثير من المواطنين الذين يتورطون في جريمة نصب من قبل الأخرين ويقومون برفع دعوى، إلا أن هذه الجريمة لا تمثل جريمة نصب، فيتم تحرير محضر بالنصب بينما الجريمة “توظيف أموال” ما يؤدى معه لإخلاء سبيل المتهم أو حصوله على حكم بالبراءة.
. فجريمة النصب هي احدى الجرائم العمدية التي يعطيها القانون اهتماماً كبيراً، نظراً لأنها من الجرائم ذات الطبيعة الخاصة، والتي يلجأ فيها الجاني الى طُرُق احتيالية تحمل المجنى عليه إلى تسليم الجاني أمواله طواعية بإرادته الحرة دون ثمة ضغط او اكراه.
. والخلط قائم بين جريمة النصب وجريمة توظيف الأموال ، بالشكل الذي اوقع الكثيرين في الأخطاء الإجرائية، مما تسبب في افلات المجرمين من العقاب، وقد جرّم القانون المصري في المادة 21 من القانون رقم 146 لسنة 1988 تلقي الأموال لتوظيفها من الجمهور على خلاف أحكام القانون، وجعل من هذا النشاط حقاً خالصاً لشركات المساهمة المسجلة بالهيئة العامة لسوق المال، ومن ثَمَّ فإنّ أي شخص أو شركة غير شركات المساهمة يقوم بهذا النشاط يقع تحت طائلة العقاب، مع ملاحظة أنه يشترط لقيام جريمة “توظيف الأموال” عدة شروط نتبينها من مشروع القانون، من أهمها أن يتم توجيه الدعوة للجمهور بغير تمييز، أي أن الجاني – على خلاف جريمة النصب – لا يَعْتَدُ بأشخاصٍ معينين ليكونوا ضحاياه، وإنما يدعو عموم الناس للاشتراك في نشاطه المزعوم .
وبينما يعتبر “النصب” جنحة، فإن “توظيف الأموال” جناية ينعقد الاختصاص فيها لمحكمة الجنايات الاقتصادية، و يعاقب عليها بالسجن الذي تصل مدته إلى 15 عامًا، فضلا عن غرامة تبدأ من 100 ألف جنيه، وتصل الى ضِعْفَي الأموال التي تلقاها الجاني، مع الحكم برد الأموال المستحقة للمجني عليه.
ومازلنا نسمع ونشاهد خلال السنوات الأخيرة أن فرداً قام بالاستيلاء على مبالغ كبيرة برضاء الأشخاص بل ويزيد على ذلك أن بعضهم قد يسلمه مبلغًا دون إثبات كتابي أو ضمان حقيقي، مما يزيد من تعقيد العملية.
. و في ظل الاستقرار الأمني الذي تشهده البلاد حاليًا، دائما ما ترقب الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة وفروعها على مستوى الجمهورية، تلك الأنشطة الغير مشروعة ، و قد نجحت في ضبط المئات من قضايا الاستيلاء على الأموال بزعم توظيفها واستغلال الأفراد